خاضت إسرائيل أطول وأعنف وأكثر حروبها دموية ضد الفلسطينيين، في حربٍ دمّرت قطاع غزة وكشفت انهيار صورتها كـ"مشروعٍ أخلاقي" أمام العالم. ويقول ديفيد هيرست إنه رغم أن المشهد سينتهي بعروض سياسية يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سيحاول الظهور بمظهر صانع السلام أثناء استقباله الأسرى العائدين، إلا أن الحقيقة أكثر قتامة: فالاتفاق لا يتضمن حلولاً مستدامة، ولا غطاءً دولياً يضمن وقف الاحتلال أو تفكيك حركة حماس.

ينقل موقع ميدل إيست آي أن الرواية الأمريكية والإسرائيلية عن "هزيمة حماس" بعيدة عن الواقع. فالحركة، رغم اغتيال قادتها، ما زالت محافظة على بنيتها العسكرية وقدرتها على التصنيع والتعبئة. كما أن شعبيتها ارتفعت في غزة والضفة الغربية، بينما تحوّل قائد جناحها العسكري إلى رمزٍ أسطوري في الشارع العربي، خصوصًا في الأردن. ويؤكد المقال أن سكان غزة، الذين واجهوا محاولات التهجير الجماعي، خرجوا من المذبحة بإنجازٍ استراتيجي: البقاء على أرضهم رغم الثمن الباهظ الذي دفعوه من أرواحٍ ودمارٍ شامل.

أكثر من 67 ألف فلسطيني فقدوا حياتهم، فيما انهار النظام الصحي والتعليمي والبنى التحتية في القطاع. في المقابل، أعلن بنيامين نتنياهو انتصاره مدّعيًا أنه "قضى على حماس"، بينما كانت إسرائيل تفقد شيئًا أهم من مكاسبها العسكرية: سمعتها الأخلاقية التي قامت عليها شرعيتها لعقود.

فمنذ تأسيسها، قدّمت إسرائيل نفسها كدولةٍ أخلاقيةٍ أنشئت لحماية اليهود من الاضطهاد. لكن صور الإبادة الجماعية في غزة دمّرت هذا السرد، وأفقدت إسرائيل مكانتها الأخلاقية في الغرب. الصحف الغربية الكبرى، مثل نيويورك تايمز والجارديان، سجلت تراجعًا غير مسبوق في دعم الرأي العام الأمريكي والأوروبي لإسرائيل، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن عدد الأمريكيين المتعاطفين مع الفلسطينيين تجاوز للمرة الأولى عدد المتعاطفين مع إسرائيل.

الانقسام يتعمّق بين الأجيال: سبعة من كل عشرة أمريكيين تحت سن الثلاثين يرفضون استمرار الدعم العسكري لإسرائيل، و54٪ من الديمقراطيين أصبحوا أقرب إلى الموقف الفلسطيني. مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة خسرتها إسرائيل تمامًا؛ فلكل منشورٍ مؤيدٍ لها، هناك سبعة عشر منشورًا مؤيدًا للفلسطينيين يلقى تفاعلًا أوسع.

تعرّضت صورة إسرائيل لمزيد من التآكل في المحاكم الدولية، بعد فشل محاولاتها التأثير على المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بينما لا تزال محكمة العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية. هذا التناقض الفاضح بين معاقبة روسيا على جرائمها في أوكرانيا وتبرئة إسرائيل دمّر ما تبقّى من مصداقية الغرب في الدفاع عن "النظام الدولي القائم على القانون".

في أوروبا، خرج مئات الآلاف في مظاهرات ضخمة من مدريد إلى أمستردام، ومن باريس إلى روما، احتجاجًا على المجازر في غزة. المحلل مؤين ربّاني وصف المشهد في هولندا بأنه "تحوّل تاريخي"، إذ فقدت إسرائيل تعاطف الرأي العام هناك إلى الأبد.

ويرى الكاتب أن نهاية الحرب في غزة لن تُنهي موجة الغضب الشعبي، بل ستزيدها اشتعالًا. فإطلاق سراح الأسرى سيُسقط آخر مبررات إسرائيل لاستمرار القتال، وسيتكشف للعالم أن تل أبيب كانت تعرقل أي اتفاقٍ لإنقاذهم من البداية. كما أن نتنياهو سيواصل سياسة "الهدوء المزيّف" في غزة، مع استمرار الاستيطان والاقتحامات في الضفة والقدس.

رغم أن تحرّكات المقاطعة والاستثمار ما زالت بطيئة، فإن التغير في الوعي الغربي بلغ نقطة اللاعودة. فعدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين ارتفع إلى مستوى غير مسبوق، كما بدأ بعض الصناديق السيادية مثل صندوق النرويج في الانسحاب من الشركات الإسرائيلية. لم تعد "الصداقة مع إسرائيل" بطاقة عبورٍ سياسي كما كانت من قبل، إذ تراجع حضور أعضاء الكونجرس الجدد في مؤتمرات "أيباك"، وازدادت جرأة الأصوات المنتقدة.

يختتم هيرست مقاله بالتأكيد أن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية، خسرت أهم معركة في تاريخها: معركة الصورة والضمير. فالغرب، الذي غذّى مشروعها لعقود، بدأ يستيقظ من الوهم. ومع هذا التحول الأخلاقي العالمي، لم يعد بالإمكان تبرير الإبادة ولا إعادة بناء الثقة التي دُفنت تحت أنقاض غزة.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/israeli-colonialism-end-nigh